17 - 08 - 2024

مدينتي الفاضلة| هل كان مناسبا احياء نصر أكتوبر بأغاني المهرجانات؟؟

مدينتي الفاضلة| هل كان مناسبا احياء نصر أكتوبر بأغاني المهرجانات؟؟

6 أكتوبر أعظم من مجرد فرصة لإجازة مدفوعة الأجر، وأراه يستوجب الاحتفال في موعده دون تبكير أو تأخير.. وأن يسكن فيه الصمت كل الوطن تبجيلا وخشوعا في الثانية ظهرا، ساعة الصفر، لتصفو القلوب بالدعاء لأبطالنا مع رنين أجراس الكنائس وانطلاق الآذان "الله أكبر".. وأن تُكلل مدافن شهدائنا بالزهور الحية.. أفراح أكتوبر تستحق استعراضا وطنيا منافسا للدورات الأوليمبية ومهرجانات السينما التي لا تتأخر مواعيدها ولا تتقدم.. ويستحق احتفالات تعطر قلوبنا بأطياف شهدائنا، تدعم جذور محبة وانتماء روته دماؤهم، تٌنشٍط التحدي وعزيمة المصريين.. ربما تحدث المعجزة وتدب الحياة في إعلام الأرشيف المجفف! 

لكن ترحيل إجازة يوم 6 إلى يوم 8 لينعم المصريين بعطلة طويلة، سحب من الذكرى أمجادا!!  

في يوم الجمعة 2 أكتوبر، الذكرى ال47 لاستعادة الكرامة والأمل وعبق الذكرى، تابعت بثا مباشر لتجمع حشود المحتفلين في ميادين كل المحافظات، رقص ومزيكة طالت ساعات أمام منصة النصر واغتيال السادات، الـ (دي جي) يصدح بأغاني غريبة عن الملامح النفسية لذكريات النصر.. اقتربت من ميدان بمصر الجديدة، رأيت أحدهم في حالة فرح حقيقي! وشعرت بصدق إجابته، أنه جاء بناء على دعوة من جاره بالحارة في المطرية، قال له تعالى نفرح ومش ها تغرم فلوس، فجاء وانبسط ببلاش. 

أزعجني تفكير ترتيب احتفالات شعبية يوم الجمعة 2 بدلا من 6، وكأن اليوم العظيم محجوز لاحتفال آخر!! حشود فرحة وصلت الميادين من نقاط تجمع لأتوبيسات مجانية.. شباب يحملون أطفالهم على الأعناق، أغلبهم كان رضيعا لم تذله نكسة 67، ولا استقرت في وجدانه آلاف المشاعر لأحداث أكتوبر 73، ست ساعات انتصارات مذهلة تمتد ستة أيام.. تمشيط جنودنا لخط بارليف، طوابير الأسرى الإسرائيليين تستعطف العالم الحقونا!! ثم آلام الثغرة وحصار أبطالنا أياما.

هؤلاء الراقصون في الميادين هم مواليد الانفتاح، لم يرقص أحدهم مع فريق السمسمية بشموخ وعناد ودموع يناجي بيوت السويس.. ولا أسرع يتبرك بآثار مواقع النصر، ينقب عن ظرف رصاصة اخترقت قلب العدو يحفظها هدية لأحفاده.. لم يهرع لمواقع الالتحام وهي ساخنة ليحفر اسمه على أنقاض العدو في العريش.. وفي ظلام سنوات النكسة وحروب الاستنزاف لم يختبئ خلف سواتر لينجو من تفجير منازل ومدارس ومستشفيات، ولا سجل اسمه في قوائم المهجرين داخل وطنهم.. ولم ينزف طويلا، ويموت ويحيا كل لحظة انقطاع أخبار ابن أو زوج أو أخ على الجبهة، ولا استقبل بقاياه شهيدا.. ولا تطوعت منهم فتاة في المجهود الحربي وتجرعت عذاب ترميم نفوس أجساد فقدت أطرافها ورجاءها.. كل أسرة مصرية منا عاشت أهوال 67 وأمجاد 73، لديها مخزون ذكريات شخصية تستحق تكريما أرقى.   

جمهور احتفالات الجمعة 2 أكتوبر لا ينتمون لشهود أو أبطال نصر أكتوبر.. لم يتجرع أحدهم من مرارة النكسة رشفة.. كاستهزاء العالم من أي مصري خارج وطنه، وخزي كل عسكري ومجند عاد لأهله حيا من جحيم هزيمة دون اشتباك، كأنه السبب وهو الضحية.. هؤلاء الضحايا الأبطال حولوا الخزي جسرا للتحدي وانتزاع الحق والنصر والكرامة.. وللوريث الشرعي- الراقصون في الميدان- شرف وواجب حفظ الميراث بنبض القلب وليس أغاني المهرجانات.
--------------------
بقلم: منى ثابت

مقالات اخرى للكاتب

مدينتي الفاضلة | مين قطع النور عن مين؟!